المغفــرة
مقالات متنوعة: ثانيا المغفرة
أ- ما هو مفهومُ طلبِ مغفرةِ الذنوب؟
المغفرةُ، والغَفرُ: التغطيةُ على الذُّنوب والعفوُ عنها، ومن أسماءِ اللَّه -عز وجل-: الغفورُ، والغفَّارُ، وهذانِ الاسمانِ منْ أبنيةِ المبالغةِ، ومعناهما: السَّاترُ لذنوبِ عبادهِ وعيوبهم، المتجاوزُ عنْ خطاياهم، وذنوبهم، يُقال: اللَّهُمَّ اغفرْ لنا مغفرةً، وغفرانًا، إنَّك أنتَ الغفورُ الغفَّار، يا أهلَ المغفرةِ، والغَفْرَةُ: إلباسُ اللهِ تعالى العفوَ للمذنبينَ، ويقال: استغفرتُ اللهَ: سألتُه المغفرةَ.
والاستغفارُ: طلبُ سترِ الذُّنوبِ والعيوبِ، والتَّجاوزُ والعفوُ عنها، بالمقالِ والفعالِ، وقد قيلَ: الاستغفارُ باللِّسانِ دُون الفعالِ فعلُ الكذَّابينَ.
وعلى هذا؛ فإنَّ مفهومَ طلبِ مغفرةِ الذُّنوب يعني أنْ يطلبَ العبدُ مِنَ اللهِ الغفَّارِ الغفورِ أنْ يسترَ ذنبَهُ وعيبَهُ، وأن يعفوَ عنه ولا يعاقبَهُ على ذنبهِ.
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمهُ اللهُ-: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْغَفْرُ السَّتْرُ وَيَقُولُ: إنَّمَا سُمِّيَ الْمَغْفِرَةَ وَالْغَفَّارَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السِّتْرِ، وَتَفْسِيرُ اسْمِ اللَّهِ الْغَفَّارِ بِأَنَّهُ السَّتَّارُ، وَهَذَا تَقْصِيرٌ فِي مَعْنَى الْغَفْرِ؛ فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ مَعْنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ، بِحَيْثُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ فَمَنْ غُفِرَ ذَنْبُهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ سَتْرِهِ فَقَدْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ وَمَنْ عُوقِبَ عَلَى الذَّنْبِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ إذَا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ بِالذَّنْبِ. وَأَمَّا إذَا اُبْتُلِيَ مَعَ ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ لِزِيَادَةِ أَجْرِهِ فَهَذَا لَا يُنَافِي الْمَغْفِرَةَ".
ب- متى وكيفَ يَغْفِرُ اللهُ الذُّنوبَ والمعاصي؟
منْ سَعةِ رحمةِ اللهِ -عَزَّ وجلَّ- وكريمِ فضلهِ وإحسانهِ على عبادهِ أَنَّهُ -جَلَّ وعلا- لم يُحدِّدْ لهم وقتًا بعينهِ للتوبةِ والاستغفارِ؛ فمتى ما أقبلَ العبدُ على ربهِ يطلبُ منهُ أنْ يغفرَ ذَنبهَ ويتوبَ عليه، غفرَ اللهُ لهُ ذنبهُ وتابَ عليهِ؛ لكنَّ هذا البابَ العظيمَ يُغلقُ دونَ العبدِ ما لم يُغَرْغِرْ، وما لم تَخْرُجِ الشَّمسُ منْ مغربها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64].
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعريِّ -رضيَ اللهُ عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- قَالَ: ) إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا (.
وعَنَ ابْنِ عُمَرَ عَنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ) إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (.
أَمَّا كيفَ يغفرُ اللهُ ذنوبَ عبادهِ؛ فهذه غايةٌ كبرى لا بُدَّ لها منْ بذلِ أسبابٍ ووسائلَ؛ لعلَّ أبرزَها ما يلي:
1- التَوحِيدُ وَعَدَمُ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ بِالله؛ كما قالَ -سبحانه وتعالى-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدَ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]، وَقَالَ - جل جلاله -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا ﴾ [ النساء: 116].
وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ) كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا (.
2-الإيمان والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 9]. وقال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحج: 50].
3- الصبرُ والعملُ الصَّالحُ؛ كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود: 11].
4- المُتَابَعَةُ لِلسُّنَّةِ؛ كما قَالَ -سبحانه وتعالى-: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمَ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ) مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ، وَصَلَّى كَمَا أُمِرَ، غُفِرَ لَهُ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ (.
5- الشَّهادةُ في سبيلِ اللهِ -عَزَّ وجلَّ-: قَالَ -سبحانه وتعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف: 11-12].
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ) لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ... (.
6- المَوْتُ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ إِيقَانِ القَلْبِ:
عَنْ مُعَاذِ بْنُ جَبَلٍ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ) مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ وَهِيَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، يَرْجِعُ ذَاكُمْ إِلَى قَلْبٍ مُوقِنٍ، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهَا (.
7- تَقْوَى اللهِ؛ كما قال اللهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأعراف: 29].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
8- خَشْيَةُ اللهِ؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12].
9- مَنْ أَذْنَبَ ثُمَّ تَابَ وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ) إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا-، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ: قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلَاثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ (.
10- المُحَافَظَةُ عَلَى الصَلَوَاتِ الخَمْسِ وإَتْمَامِ رُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَخُشُوعِهِنَّ؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ) خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَصَلَاتَهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ (.
11- التَّأَمِينُ فِي الصَّلاةِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ) إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (.
12- الصَّلاةُ جَمَاعَة؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: ) كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ. قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلَاةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا"؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أَوْ قَالَ حَدَّكَ (.
13- حِلقُ الذِّكْرِ؛ ففي الحديثِ: ) إِنَّ لِلهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ فَيَقُولُونَ: لَا وَاللهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ يَقُولُونَ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ يَقُولُونَ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ )